afterheader desktop

afterheader desktop

after Header Mobile

after Header Mobile

اللهجة الحَسَّانية: مقاربة سوسيو تاريخية


جديد الصحراء: د الساللك بوغريون

تُنسب اللهجة الحسانية كما تشير أغلب المصادر إلى حسان بن جعفر1، وتنتشر على رقعة لا يستهان بها، فهي لا تقتصر على الأقاليم الجنوبية فحسب بل تتعداها إلى القطر الموريتاني قاطبة، فتُحَدُّ شمالا بواد نون وجنوبا بنهر السنيغال، وللتقرب أكثر من هذه اللهجة والتعرف عليها سنعطي لمحة عامة عن مجالها السوسيوتاريخي:

أشار الأستاذ عباس الجراري في كتابه: “ثقافة الصحراء” إلى أن الصحراء عرفت في “المراحل الأولى للتاريخ وما قبل التاريخ في الفترة البدائية حضارات حجرية وبرونزية وحديدية تمثلت في معرفة السكان بفنون الصيد والحرب وما تقتضي من صناعة في مجال الأدوات والأسلحة والعربات، وما يقتضي كذلك من تطويع بعض الحيوانات لجرها كالخيول، فضلا عما يتخذ منها للصيد كالأبقار والأغنام والغزلان والنعام والأسود والفهود والفيلة ورعول الصحراء على حد ما تثبت الآثار المكتشفة والرسوم التي عثر عليها في المنطقة”2.

فقبل مجيء العرب المسلمين إلى هذه المنطقة كانت تسكنها قبائل أمازيغية فرت من الشمال تجنبا للعدوان الممارس عليها من طرف الاحتلال الروماني، وقامت هذه المجموعات القبلية ببناء مراكز للاستقرار قرب الواحات، وقامت بحفر الآبار، ومارست الزراعة…

فالسكان الأقدمون لهذه المنطقة هم الأمازيغ، ويدل على ذلك ما تركوه من أسماء لكثير من المراكز والآبار باللهجة الشلحية (الشلحة)، والتي لا زالت متداولة إلى حد الآن: (المراكز: رأس أومليل، أخفنير، تڭانت، أطار، أمڭالا، إمليلي، تجكانت…- الآبار: بئر انزران، تافودارت، بير ڭندوز…)3 .

ومع مرور الزمن شهدت المنطقة نزوح أفواج من العرب خصوصا بعد الفتوحات الإسلامية وحركات الهجرة من المشرق الى المغرب في عهد الموحدين وغيرهم.

والصحراء كانت “الخلية الأصلية لإمبراطورية المرابطين لمتونة الصنهاجية العتيدة أصيلة الصحراء التي كان مهدها أدرار بموريتانيا… وكانوا يضعون اتقاء من العين لثاما يحجب أسفل وجوههم فسموا بذلك بالملثمين”4، ويضيف ابن خلدون أنهم ” أبعدوا في المجالات هناك منذ دهور قبل الفتح لا يعرف أولها، وراء الرمال الصحراوية… هجروا التلول وجفوها، واعتاضوا عنها بلبن الأنعام ولحومها انتباذا عن العمران واستئناسا بالانفراد وتوحشا بالعز عن الغلبة والقهر، وصاروا ما بين بلاد البربر وبلاد السودان حجزا واتخذوا اللثام خطاما تميزوا بشعاره بين الأمم”5.

ويتشكل المجتمع الحساني اليوم من قبائل أغلبها من أصل عربي خالص، ويرجع النسابون أصول بعضهم إلى آل البيت، وبعضهم إلى عقبة بن نافع، وبعضهم إلى بني أمية، وبعضهم إلى الأنصار، وبعضهم إلى صنهاجة… ونذكر – على سبيل التمثيل لا الحصر- من هذه القبائل من الصحراء: أولاد ادليم، الرڭيبات، أيت لحسن، أولاد أبي السباع، لعروسيين، أولاد تيدرارين، أولاد بوعيطة، أيت موسى واعلي، يڭوت، مجاط الصحراء، ازرڭيين… ومن القطر الموريتانـي: تجكانت، إداوعلي، اداوالحاج، إداوعيش، كنتة… على أن هناك توزعا لبعض القبائل في القطرين معا.

ونميز داخل هذا المجال بين قبائل تكنه وهي المتواجدة في الشمال، وقبائل الڭبلة وهي المتواجدة في الجنوب، وهناك قبائل الساحل وهي التي عرفت بمحاذاتها للساحل الأطلسي، وقبائل الشرڭـ الممتدة على ظهر لحمادة الكبرى من الجهة الشرقية عبر تيندوف وجنوب الجزائر.

وهناك ما يسمى بـ”الدخيلة” (بمعنى الدخيل)، وهي القبائل التي تشتتت لسبب أو لآخر ولم يعد بمقدورها حماية نفسها فتطلب الحماية من قبيلة أخرى وتدخل في كنفها وتحمل اسمها وتصاهرها وتنصهر فيها.

وكان المجتمع الحساني التقليدي قديما يتكون من ثلاثة فئات اجتماعية:

* فئة حسان: وهم حملة السلاح، وكانت أغلب الصراعات قديما تدور بينهم على شكل غزوات.

* فئة الزوايا أو الشرفة: يمارسون المهام التنظيرية، وقد اشتهروا بتعليم القرآن والسنة والعلوم الدينية، وكذا التنظيرات الحقوقية والقانونية (فض النزاعات، عقد مراسيم الزواج…).

* فئة اللَّحمة: يقومون بواجبات المعاش الأخرى، والممارسات الاقتصادية: الرعي، الزراعة، الصناعة، الحرف، الأشغال المنزلية… ويمكن أن نميز في هذه الفئة بين ثلاثة عناصر حسب تسلسلها في السلم الاجتماعي الذي كان سائدا آنذاك:

+ الموسيقيون والمغنون: وهم ايڭاون والشعراء، كانوا يلعبون دورا طلائعيا إبان السلم وأثناء الحرب، وهم يلهبون حماس المتحاربين حين يتمركزون في المواقع الخلفية وينشدون أشعارا حماسية، أما في حالات السلم فهم يحيون الحفلات الساهرة في الخيام، وهم منحازون في الغالب إلى ذوي الشوكة من حسان.

+ الصناع والحرفيون (لمعلمين): يتكفل رجالهم بصناعة الضروريات التي تفي بحاجيات المجتمع القبلي، وتتكفل نساؤهم بصناعة ودباغة المنتوجات الجلدية وما يرتبط بها من زخرفة وتزيين، بالإضافة إلى اهتمامهم بصنع أدوات التجميل والزينة.

+ العبيد والموالي المعتقون، وأصلهم من السودان استرقوا منذ الفتح الإسلامي.6

والمجتمع الحساني هو مجتمع قبلي بامتياز، وتستمد القبيلة فيه قوتها من ” قوة العصبية من حيث هي تجاذب قائم على روابط الدم التي تتقدم على أي رابط آخر… وللأساس القبلي هذا أهميته في استجابته لحاجات الفرد، وبالتالي لإبقائه مقيدا في ولائه له “7، إلا أنه ومع مرور الوقت بدأت العصبية تذبل وتتلاشى حدتها تدريجيا، وبدأ التحيز للانتماء الدموي يقل بسبب الاختلاط، يقول ابن خلدون: “ثم وقع الاختلاط في الحواضر مع العجم وغيرهم، وفسدت الأنساب بالجملة، وفقدت ثمرتها من العصبية، فاطرحت، ثم تلاشت القبائل ودثرت، فدثرت العصبية بدثورها، وبقي ذلك في البدو”8.

فالاختلاط بين الأجناس البشرية إذن مما تفرضه حياة الحاضرة سبب أساسي أعزى إليه ابن خلدون تلاشي العصبية وفتورها ورد سبب التشبث بها إلى حياة البدو وما تفرضه قساوة الطبيعة من تقوقع حول نواة قبلية لمواجهة الأخطار الخارجية، ورغم فتور هذه العصبية عند الإنسان الحساني بسبب الاختلاط، وتماشيا مع ظروف الحضارة الجديدة وما تمليه من طابع تحرري في الانتماء الحزبي والسياسي إلا أنه في بعض الحالات لا يستطيع إخفائها إذ تظهر بارزة واضحة، يقول يوسف مقلد: ” والبيضاني9 لا يستطيع مهما كان متصفا بالعلم والتحرر أن يتغلب على نزعته القبلية عندما يجد الجد، فهو حديث العهد بفكرة الوطن والكيان السياسي بمفهومه الحديث”10.

كان هذا بعض ما يتعلق بالجانب السوسيو تاريخي للمجال العام الذي وجدت فيه اللهجة الحسانية، وإن كان المكان الذي وجدت فيه أول مرة داخل هذا المجال يصعب تحديده بدقة بسبب انقطاع المصادر، وما يهمنا هنا قوله أن هذه اللهجة ظلت أداة للتخاطب والتواصل بين مختلف الشرائح الاجتماعية – المنتمية إلى هذا المجال-، فكانت بمثابة الوعاء الذي يختزل ويضم كل الأحاسيس اليومية، فحملها الإنسان الصحراوي من خلال الشعر والأمثال والحكاية والألغاز… عصارة طموحاته وأغراضه ورغباته في التعبير، لأنها مرآة حياة هذا الإنسان الذي أوجدها، وهويته التي هي تاريخ وأرض وانتماء.

وعن أصل اللهجة الحسانية يقول يوسف مقلد: “قبل هجرة المغافرة إلى الصحراء كان أهل شنقيط يتكلمون بلغتين:

  1. البربرية: وتنقسم إلى لهجتين: أ- كلام زناڭة: وهي لهجة قريبة جدا من التشلحيت، ب- كلام أزير: وهي لهجة تقارب التمازيغت.

2- العربية: وقد كانت لغة الكتابة والثقافة والدين، وبعد هجرة المغافرة الذين يتكلمون باللهجة الحسانية نسبة إلى حسان بن جعفر، عمت اللغة جميع القطر، وصارت لغة التخاطب، وانقرضت اللغة البربرية تقريبا”

banner ocp
تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد